بسمه تعالى شانه هوه ثقتي ورجائي
كيف يتحرك سعر الذهب وكيف نتوقع الصعود ؟
العلاقات الطردية والعكسية الكثيرة التي يرتبط بها سعر الذهب بين دولار وتضخم وأسعار نفط وغيره قد تكون غير كافية خلال الفترة الحالية لتحديد مسار سعر أونصة الذهب الذي تحرّك هبوطا ً بشكل عنيف جدا ً بعد أن حقق أسعاراً فاقت الألف وثلاثين (1030) دولار أمريكي للأونصة الواحدة .
نجد إن الأغلب يعتقد بان موجة قوّة الدولار الأمريكي هي السبب الحقيقي وراء انخفاض سعر الذهب بينما كان أثناء الصعود يعزى السبب الأول إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع سعر برميل النفط بالإضافة إلى حالة عدم التأكد من التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية . لكننا نجد اليوم بان سعر النفط قد وصل إلى سعر قياسي جديد فاق 120 دولار للبرميل الواحد لعقود تسليم حزيران بينما الذهب لم يتجاوب كثيرا ً مع هذا الصعود , من جهة أخرى نرى بعض التحاليل هنا وهناك تقول بان ثبات الدولار هو السبب في أن يبقى الذهب يتداول في هذه المستويات .
من وجهة نظر اقتصادية وتحليلية لا يجب ربط سعر الذهب مع الدولار ولا سعر الذهب مع سعر برميل النفط ولا الربط مع حالة التفاؤل والتشاؤم في الاقتصاد كل واحد على حدة , بل إن العلاقة أعقد بكثير بان يتم دراستها بمتغير واحد . ولو كانت العلاقة بسيطة لكان المتاجرون قد أصبحوا أغنى الأغنياء بتتبع سعر برميل النفط ثم تتبع سعر الذهب من الثم ملاحظة حركة الدولار والبيانات الاقتصادية والتنفيذ على الذهب بعمليات مضاربية قد تكون هي طريق المليون نظريا ً !
اقتصاديا ً يعرف الذهب بأنه الغطاء من انخفاض القيمة الشرائية للنقد أو أن يكون هو الحماية من انخفاض سعر الصرف أو أن يكون سلعة استهلاكية مثله مثل إي سلعة أخرى في العالم مثل الأرز باستخدام الذهب للحلي والمجوهرات. ولا يوجد أي تعريف اقتصادي لاستخدامات الذهب يخرج عن هذين الأمرين طبعا ً باعتبار إن حركة البنوك المركزية في إصدار النقد المرتبطة باحتياطي الذهب جزءا ً غير اقتصادي عالمي بل هو جزء في الاقتصاد الداخلي حيث إن إصدار النقط بطلب الذهب ينعكس على الدولار الأمريكي في الإيجاب مما يجعل سعر الذهب تقريبا ً ثابت بإهمال قوى الطلب والعرض التي قد تنشأ من هذه الخطوة من أي بنك مركزي غير أمريكي .
إذن ما هو المحرك الحقيقي لسعر أونصة الذهب ؟ بالطبع لا نقصد الحركات اليومية الصغيرة إذ إنها تتأثر فعلا ً بسعر صرف الدولار مباشرة , المحرك الرئيسي لسعر أونصة الذهب هو مزيج بين سعر الدولار مقابل سلة العملات وسعر برميل النفط مضافا ً عليه بعض من الطلب الاستهلاكي وكل ذلك يوضع في بوتقة التفاؤل والتشاؤم تجاه الوضع الاقتصادي العالمي لينتج عندنا في النهاية سعر أونصة الذهب .
أولا ً النفط
لماذا أهملت التضخم ؟ في وقتنا الحالي يعتبر سعر برميل النفط هو الذي يعبر عن التضخم في العالم , لكن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والتباطؤ الذي شمل معظم أرجاء المعمورة فإن سعر برميل النفط يعبر بشكل مباشر أكثر عن التضخم , إذ إن قراءة التضخم قد تكون مشوّهة إذ تنخفض مقاييس التضخم أثناء الركود أو التباطؤ في العادة لتعطي صورة غير حقيقية للأسعار , بينما سعر برميل النفط الذي يرتبط في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية سوف يعطي صورة أكثر دقة عن وضع الأسعار وبالتالي التضخم وهذا الأخير هو مقياس انخفاض القدرة والقوة الشرائية للنقد بمقارنة التضخم بمستوى الأجور .
زاد المزيج تعقيدا ً ! فمستوى نمو الأجور يجب طرحه من مستوى التضخم , وهذا أيضا ً يشكّل معادلة أكثر صعوبة لفهم العلاقة الطردية إجمالا ً بين سعر النفط والذهب , حيث نجد في بعض الأحيان تأخرا ً في تجاوب سعر أونصة الذهب مع سعر برميل النفط قد يمتد إلى بضعة أشهر حتى يتم إكمال المعادلة عن طريق إضافة نمو الأجور وتأثر التضخم حقيقة بارتفاع سعر برميل النفط .
من هنا نجد إن أول معادلة طردية بين سعر الذهب وسعر برميل النفط هي معادلة قد يعلوها بعض الشوائب لنحتاج إلى دخول في تفاصيل أخرى وهي ( ما نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط على التضخم في العالم بمقارنة النمو في مستوى الأجور) طبعا لا نقف هنا بل يجب إدخال تكاليف الإنتاج على التنقيب والسباكة والتي تؤثر على سعر أونصة الذهب بالتأكيد .
تلخيص ذلك يكون بعلاقة طردية بين سعر برميل النفط وسعر أونصة الذهب لكن لا تكون على المدى القصير بل هي على المدى المتوسط , والحركات التي نشاهدها يوميا ً بحركة طردية مباشرة بين سعر الذهب وسعر برميل النفط هي مجرد حركات مضاربية سرعان ما ستزول مع أول جني أرباح ليعود سعر أونصة الذهب إلى ما كان عليه ويستمر سعر برميل النفط عند نفس مستوياته المرتفعة أو المنخفضة .
ثانيا ً الدولار الأمريكي
هنا قد نجد اختلافا ً عن ما سبق , ففي العادة نجد بان العلاقة بين سعر الدولار وسعر الذهب عكسية , فارتفاع الدولار يسبب انخفاض في سعر برميل النفط والعكس صحيح , لكن كيف يحصل ذلك ؟ إن ارتفاع الدولار الأمريكي سوف يسبب مزيدا ً من التكاليف على شراء برميل النفط بما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من الدول المصدرة للنفط . وأي مستثمر أو جهة يطلب النفط فسوف ترتفع قيمة برميل النفط إذا ارتفاع الدولار بواسطة المعادلة بين سعر الدولار والعملة الشرائية , مثلا ً مصنع ألماني يريد شراء النفط من الولايات المتحدة فإن تكاليف سعر برميل النفط سوف ترتفع في اليورو في حال ارتفع سعر صرف الدولار , لكن من جهة أخرى فإن ارتفاع هذه التكاليف سوف تسبب انخفاضا ً في الطلب وفي النهاية تسبب مزيدا ً من الهبوط في سعر برميل النفط .
إذن فالعلاقة بين سعر برميل النفط والدولار الأمريكي هي علاقة غير مباشرة كما يظنها البعض , بل هي علاقة تنتج من تصرفات ومتاجرات دولية تؤثر في سعر النفط إيجابا في حال انخفض سعر الدولار والعكس صحيح . لكن في النهاية سوف نصل إلى مكان يعود فيه سعر برميل النفط عند نفس قيمته قبل الانخفاض أو الارتفاع في سعر صرف الدولار . ومن الممكن تبسيط ذلك بأن نقول إذا ارتفع الدولار 1% وافترضنا بان المرونة مطلقة وكاملة فنجد إن المستهلك الأوروبي ارتفعت عليه تكاليف الاستيراد بمقدار 1% لتخفض الطلب بقيمة متناسبة مع ذلك ليعود سعر النفط للهبوط بما يتناسب مع انخفاض الطلب هذا ليستقر سعر برميل النفط عند سعر هو في الأصل نفس السعر بالنسبة للمستهلك الأجنبي تقريبا ( طبعا في حالة الطلب والعرض والتحرك السعري تام المرونة وبشكل قياسي) .
من هنا نستطيع إن تنجد بأن العلاقة بين سعر برميل النفط وسعر صرف الدولار تقتصر على شاشات التداول فقط ولا تعبّر عن حقيقة الانخفاض والارتفاع مقابل العملات الأخرى. لكن بما إنه لا يوجد علاقة مطلقة وتامة المرونة وبما إن هنالك فئة من المتاجرين يتبعون الدولار انخفاضا وارتفاعا ً في مضاربات واستثمارات على برميل النفط فإننا نجد علاقة حقيقية عكسية بين سعر برميل النفط وسعر أونصة الذهب لكنها لا تدوم بشكل واضح إلا على المدى القصير وتبقى آثار قليلة على المدى المتوسط والطويل .
ثالثا ً الطلب الاستهلاكي
هو الطلب الحقيقي , وهو الذي يؤثر على المدى الطويل والمتوسط والقصير صعودا ً وهبوطا ً لكن ليس بقيمة الطلب نفسه بل بالتغير في هذا الطلب . فانخفاض الطلب خلال الربع الأول من هذه السنة والربع الرابع من العام الماضي بمقدار 35% تقريبا على المجوهرات سبب استمرارية في الهبوط عندما بدأ الذهب يهبط , وكذلك الأمر فإن ما منع الذهب من استمرار الهبوط هو هذا النوع من الطلب . لكن للأسف فإن تأثير هذه الطلبات لا يكون كبيرا ً جدا ً في الكثير من الأحيان حيث إن الطلب الأكبر في العالم يكون من قبل المحافظ والمستثمرين والبنوك المركزية في الدرجة الأولى وثم يأتي طلب الحلي والمجوهرات .
من جهة أخرى نلاحظ إن العلاقة بين الطلب الاستهلاكي للذهب وسعر الذهب هي علاقة عكسية . من هنا نجد إن تأثير هذه الطلبات يعتبر محدودا ً لكنه مهم جدا ً , فما يصنع مستويات الدعم هو هذا النوع من الطلبات الذي يكبح جماح الهبوط بارتفاع الطلب مع هبوط سعر أونصة الذهب .
رابعا ً التفاؤل والتشاؤم في العالم
إن التفاؤل حول وضع الاقتصاد العالمي المرتبط في النمو والتضخم والاستثمار له أكبر علاقة طويلة الأمد مع سعر أونصة الذهب . فنجد بان سعر أونصة الذهب ينخفض مع ارتفاع الاستثمار في أسواق المال أثناء الأوضاع الاقتصادية السيئة حين يبدأ المستثمرون بالتفاؤل على عكس العلاقة الطردية بين أسواق الأسهم وسعر أونصة الذهب في الأوضاع الاقتصادية المنتعشة . لا أريد أن أعقد الموضوع أكثر بذكر تأثيرات جانبية إلى كل حالة اقتصادية على حدة من انتعاش ونمو وركود وتباطؤ ورواج ..... الخ .
في الوضع الاقتصادي الحالي , فإن ارتفاع التفاؤل يظهر مباشرة على أسواق المال مما ينعكس بالسلب على سعر أونصة الذهب . بينما التشاؤم ينعكس بالإيجاب على سعر أونصة الذهب . هذا على المدى القصير والمتوسط , بينما على المدى الطويل فإن ما يؤثر على سعر الذهب هو حالة الاقتصاد الدولي الحقيقي وفي وضعنا الحالي المؤثر هو وضع الاقتصاد الأمريكي نفسه .
الآن بعد أن وضحنا بعض جوانب المزيج هذا , دعني أقدم لك عزيزي القارئ طبق اليوم حتى تأخذ وجبتك ببساطة وتنسى كل تعقيدات الطبخ !!!!!!
يتحرك الذهب على المدى القصير متأثرا ً بارتفاع سعر الدولار أو انخفاضه مقابل العملات الأخرى كذلك يتأثر بشكل مقابل بسعر برميل النفط لكن على المدى القصير جدا ً لكليهما في الحالة الأولى حيث إن المضاربات هي من تسبب ذلك , لكن مع تقدم الزمن يزول تأثير الدولار ويبقى تأثير سعر برميل النفط لارتباطه الوثيق بتكاليف السباكة والتنقيب وهذا على المدى المتوسط بينما على المدى الطويل يجب مقارنة تأثير ارتفاع سعر برميل النفط مع التضخم مطروحا ً منه النمو في الأجور وهذا يمتد على المدى الطويل . لكن المحرك الأول والأساسي للاتجاه العام لسعر الذهب هو الوضع الاقتصادي الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية وذلك ما نراه كل يوم من بيانات اقتصادية.
هل تريد أبسط من ذلك ؟! إليك ذلك ,
انظر إلى التفاؤل والتشاؤم عن طريق تفاعل الدولار الأمريكي مع البيانات الاقتصادية , إن كان الدولار لا يتأثر ببيانات سلبية كما يتأثر بالإيجاب فنحن في تفاؤل والعكس صحيح وهذا يعطي الاتجاه المتوسط الأمد , لكن حقيقة الوضع الاقتصادي الأمريكي هو من يحدد الاتجاه العام , تأثير سعر برميل النفط يظهر لحظيا ً لكنه يزول بسرعة ليعاود الظهور بعد فترة وجيزة . وكلمة السر لك عزيزي المضارب هو الطلب الحقيقي الاستهلاكي للمجوهرات , بينما كلمة السر لك عزيز المحلل هي التفاؤل والتشاؤم وانعكاساته على أسواق المال , أما أنت عزيزي الاقتصادي فكلمتنا السرية هي ( الوضع الاقتصادي الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية