[يشكل الشباب نسبة هائلة بالمجتمع الفلسطيني تصل إلى حوالي 45 % من عدد السكان وبغض النظر عن التعريفات الخاصة بالشباب فيما يتعلق بالعمر أو الفترة الزمنية المحددة ، حيث تقدر الأمم المتحدة سن الشباب ما بين 18 – 24 ، و يحدد جهاز الإحصاء الفلسطيني السن ما بين 18 – 29 ، كما تحدد بعض المنظمات الأهلية العاملة بالمجال الشبابي السن ما بين 18 – 34 عام / نقول بغض النظر عن تلك التعريفات إلا أن الشباب يتمايزون بالدينامكية والمثابرة والتطلع إلى المستقبل عبر تبوء مراكز قيادية بالمجتمع على المستويات المؤسسات والوظيفية والسياسية والنقابية والاجتماعية المختلفة .
وتميزت الحركة الطلابية في فلسطين بوصفها جزءً حيوياً من قطاع الشباب بروح المبادرة والانتماء للمسيرة الوطنية واكتساب التجربة والخبرة بالعمل النقابي والاجتماعي ، كما طبعت التجربة الطلابية الفلسطينية وخاصة في قترة الثمانينات بطابعها الديمقراطي من خلال الانتخابات الدورية التي كانت تحدث لمجالس الطلبة والنقاشات الهادفة لاغناء الفكر على المستوى الثقافي والسياسي نتيجة تغلغل القوى السياسية بين أوساط الحركة الطلابية .
ولعبت الحركة الطلابية دوراً بالنهوض الوطني والتصدي للعديد من القوانين العسكرية الاحتلالية مثل قانون التعليم العالي عام 81 والذي أراد منه الاحتلال السيطرة على مجالس إدارات الجامعات والتحكم بالمناهج الأكاديمية والموافقة على الطلبة عند دخولهم الجامعة .
لقد استطاعت الحركة الطلابية في جامعة بير زيت ومن ثم في جامعات الوطن قاطبة رفض هذا القانون ومقاومته بالطرق الكفاحية السلمية عبر المظاهرات والمؤتمرات واستقطاب قوى التضامن الدولي من أوساط الحركات الشبابية والطلابية في في أوروبا وباقي بلدان العالم ، كما استطاعت الحركة الطلابية التأثير في تركيبة الأطر الوطنية التي كانت تقود المسيرة النضالية بالأراضي المحتلة مثل لجنة التوجيه الوطني والقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الكبرى التي وقعت في نهاية عام 87 والتي لوحظ تمثيل قادة الحركة الطلابية في بنيتها الأمر الذي أدى إلى زيادة زخمها على المستوى الشعبي والجماهيري والإعلامي بسبب الخبرة الطويلة التي راكمتها قيادة الحركة الطلابية في هذا المضمار .
ولم يبعد نضال الحركة الطلابية عن البعد الاجتماعي أيضاً وذلك عبر تعزيز مسيرة العمل الطوعي والمساهمة في قطف الزيتون أثناء موسمه بالإضافة للمشاركة بالعديد من الأنشطة التنموية عبر المؤسسات التي كانت قائمة في ذلك الوقت .
لقد جرت تحولات على البنية الاجتماعية الفلسطينية بعد تأسيس السلطة عام 94، فقد سادت الثقافية النفعية والذاتية والزبائنية وتفككت القيم الجمعية والمشتركة ، وأصبحت القوى النافذة تؤثر على الأطر الطلابية والشبابية على قاعدة من التسيس والفئوية والمصحوبة بعلاقات وروابط وظيفية وإدارية معينة ، الأمر الذي أدى إلى الابتعاد عن الدور الاجتماعي والنقابي وتقويض القيم الديمقراطية التي تضمن ثقافة التسامح وتقبل الآخر واحترام الرأي وحرية التعبير .
بسبب سياسة الاحتلال والحصار فقد تراجع دور البنى الاقتصادية والإنتاجية وخاصة قطاعات الصناعة والزراعة الأمر الذي أدى إلى تضخم الجهاز الإداري الحكومي وقد وصل إلى حوالي 80 ألف في قطاع غزة بما في ذلك الأجهزة الأمنية ،لقد صاحب عملية الصراع على السلطة على ضوء الانتخابات النيابية العامة عام 2006 تنافس على توظيف الأفراد التابعين للقوتين الرئيسيتين المتنافستين " فتح وحماس " سواءً بالأجهزة الأمنية أو الإدارية والوزارية ، الأمر الذى أدى إلى تضخيم هذا الجهاز البيروقراطي الذي أصبح أكبر مشغل للعمل ، خاصة بعد انسداد إمكانيات العمل في إسرائيل وعدم قدرة الديناميات الاقتصادية المحلية على استيعاب العدد السنوي الذي يندرج في إطار الباحثين عن العمل والذي يبلغ عددهم حوالي 45 ألف مواطن منهم ما يقارب ال 20 ألف من قطاع غزة " الذي يصبحوا في سن العمل والمحدد ب 16 عام والذين يتخرجون من الجامعات أيضاً " خاصة إذا أدركنا الحالة التنموية التي تغييب عنها عملية الربط بين التعليم والتنمية ، أي بين مخرجات التعليم ومدخلات التنمية بحيث يتم تنمية التعليم المهني والتقني المرتبط باحتياجات السوق وبآفاق التميز النسبي للاقتصاد على سبيل المثال " الاهتمام بصناعة التكنولوجيا الدقيقة أو بعض الزراعات ذات البعد التصديري .. إلخ .
لقد أدت الحالة الواردة أعلاه إلى التحاق أعداد كبيرة من الشباب في صفوف القوى والفاعليات الوطنية والسياسية وأصبح الشباب في ظل الثقافة الفئوية والحزبية والذاتية وقوداً للاحتقان والتوتر والصراع ، بوصفهم ضحايا التقهقر الاقتصادي والتنموي والاستقطاب الحزبي الحاد وحصار الاحتلال .
لقد استطاعت قوى المجتمع المدني الضغط باتجاه تعديل قانون الانتخابات فيما يتعلق بتحديد سن مشاركة الشباب بالانتخابات التشريعية ليصبح 27 عاماً بعدما كان 30 عاماً .
ولكن هذا التغير القانوني بحاجة إلى تغير بالثقافة والمفاهيم بحيث يتم إقناع الأحزاب السياسية بأن تضع الأولوية لمشاركة الشباب على رأس قوائمها الانتخابية ، وكذلك إجراء تعديلات هيكلية في البنية التنظيمية بحيث تعزز من مشاركة الشباب في المستويات السياسية العليا والمقررة كما من الضروري التفكير بتخفيض نسبة المشاركة بالانتخابات التشريعية لتصبح 25 عام والانتخابات الرئاسية 30 عام ليتسنى لجيل الشباب أن يتبوأ المراكز القيادية بالمستويات القانونية والسياسية .
إن إعادة صياغة المعادلة عبر تعزيز مكانة الشباب في صناعة القرار تكتس أهمية خاصة بالمجتمع الفلسطيني الذي يتميز بكونه شاباً ، الأمر الذي سيساعد عبر قيادة الشباب المساهمة في معالجة العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة .
إن التجربة المكتسبة للحركة الطلابية والشبابية بصورة عامة في بلادنا تدفعنا إلى الاعتقاد أنه بالإمكان استعادة الدور الريادي والمبادر للشباب إذا تم التصدي للعوامل المحبطة والمعيقة لنشاطهم وفاعلياتهم وفي مقدمة ذلك تجاوز الثقافة الفئوية والحزبية الضيقة ، الاهتمام بالمصالح المشتركة ذات الطابع الاجتماعي والتي تعكس هموم وتطلعات واحتياجات الشباب بصورة عامة ، وإذا تم خلق علاقة حيوية بين المؤسسات الأهلية والشباب على أساس تحفيز المبادرات وتشجيعها مثل المساهمة في إنشاء حركة مطلبية اجتماعية وديمقراطية للشباب بديلاً عن الأطر الضيقة والثقافة القائمة على الولاء إلى الفصيل أو الثقافة الزبائنية المبنية على تحقيق المنفعة الذاتية على حساب المنفعة العامة .
يستطيع الشباب الذين عانون من البطالة والفقر ، وافتقار المناهج التعليمية للإبداع ، وعدم ربط التعليم بالتنمية ، وسيادة النزعة الثقافية الفئوية بما في ذلك التعصب والابتعاد عن الموضوعية والدافعية وتفضيل المصلحة الفردية عن المصلحة العامة .... إلخ ان يحاولوا نفض غبار الأزمات العالقة على أجسادهم ويسيروا بصورة موحدة ومشتركة عبر أداة الحركة الاجتماعية للمساهمة بالتصدي لمشكلاتهم بصورة جماعية وعلى قاعدة ديمقراطية واجتماعية.
ولكن وحتى يتم تحقيق ذلك فنحن بحاجة إلى مجابهة التالي :-
1. حالة الانقسام واستعادة اللحمة السياسية وإعادة بناء المؤسسة على أسس من المشاركة والديمقراطية.
2. التصدي للثقافة الحزبية الضيقة واستبدالها بالثقافة الوطنية والولاء للوطن والشعب والهوية بما أن الأحزاب جاءت كأدوات من اجل تحقيق الهدف الوطني وليس العكس.
3. المساهمة في تحديد الأولويات والاحتياجات والمساهمة في آليات الضغط والتأثير باتجاه تحقيق تلك الأولويات والاحتياجات كالحق في التعليم والصحة والسكن والتعبير والتنظيم الاجتماعي والنقابي .
4. مطالبة القوى السياسية النافذة بالالتزام بالقانون الأساسي وسلسلة التشريعات والقوانين ورفض مبدأ الاعتقال السياسي والسماح بحرية الصحافة والنقد والتعبير والتجمع السلمي .
لقد سادت العديد من الشوائب بالفترة السابقة جراء سياسة الفئوية والاستقطابات الحادة وانعكس ذلك على كافة قطاعات المجتمع بما في ذلك قطاع الشباب ، وإذا كانت الأجيال غير الشابة انخرطت بحكم قناعاتها أو مصالحها في بنية تنسجم مع الحالة الفئوية السائدة فإنه يعلق على الشباب الكثير لتجاوز ذلك عبر الشروع باستنهاض كافة الطاقات والقدرات وإعادة صياغة المعادلة على أسس جديدة والتي يجب أن تبدأ باعتماد الثقافة الوطنية والديمقراطية وتلبية الاحتياجات على أساس الحاجة ومبدأ المواطنة المتساوية والمتكافئة وليس على أساس الانتماء السياسي أو الحزبي ، وذلك باتجاه إعادة بناء المجتمع على أسس جديدة تعتمد معايير الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير كأحد معايير التنمية الإنسانية المباشرة .
إن مبادرات الشباب باتجاه رفض إغلاق الصحف والاعتقال السياسي وضمان حرية الرأي والتعبير والحق بإنشاء الجمعيات وبناء المؤسسات وصيانة مبدأ التعددية السياسية يساعد بالضرورة على ضمان حقوق الشباب على المستوى الخاص لأنه لا يمكن تحقيق أياً من الحقوق في ظل الشرذمة والكبت والانقضاض على المكتسبات الديمقراطية والقانونية بالسلطة الفلسطينية والتي تم تحقيقها عبر سنى كفاح طويلة .
لأنه لا يمكن أن يتم ضمان تحقيق حقوق الشباب في ظل تعطيل عمل المؤسسة التشريعية وفي ظل الانقسام في وحدة نسيج المجتمع وتراجع المكتسبات الديمقراطية العامة ، لذلك فتوجد مصلحة مباشرة للشباب للنضال لصيانة تلك المكتسبات ومنع الانقضاض عليها كخطوة هامة باتجاه العمل على تحقيق حقوق الشباب العريضة على المستويات المختلفة .
[
منقول